الروائح وأثرها النفسي في الإنسان
![]() |
| الروائح وأثرها على الإنسان |
لم تكن الروائح ،مجرد عطر أو رائحة عابره نشمها ،فطلالما كانت هنالك روائح تترك أثراً كبيراً في نفوسنا وأثبتت الدراسات أن الروائح لها تأثير كبير على الانسان ، حيث ترتبط حاسة الشم القوية بالذوق والذاكرة، فالروائح تاثيرها يختلف على الانسان باختلاف الرائحة، وبالتأكيد تمنحنا العطور الراحة النفسية إذا ناسبت ذوقنا أو على خلاف ذلك تُشعرنا بالإزعاج والتوتر،ولا نزال نتذكر دائما تلك الرائحة ،والاكبر من ذلك في تذكرنا للمواقف المرتبطة بهذه الرائحة ،تخيل معي وانت تتجول وسط سوق المدينة الكبير فتلتقط أنفك ،روائح المشويات القادمة من أطراف السوق،او روائح المطاعم الشعبية الذكيه التي تفوح باشهي واطيب الاكلات الشعبيه ،وروائح دكاكين التوابل والبهارات ،وبناصية أخري روائح العطارات النفاذة ،وهي تخترق شعيرات الشم في أنفك وسط آلاف الروائح رغم تنوع وكثرة الروائح في السوق.
وجانب أخر تشتم روائح البن المحروق المنبعث من المقاهي القديمه ،وفجاءه ينبعث في خاطرك بعد وجبه افطار دسمه أن ترشف كوب من القهوه
فالروائح تعمل على تهدئة النفس إذا كانت الرائحة طيبه وذكية وعكس ذلك أن كانت مزعجه وكريهه .
كما أن الروائح تذكرنا بمن فارقونا و غابوا عن ناظرنا،مازلت اتذكر لهفة وشوق ام تحتضن قميص ابنها ،الغائب في أحدي دول المهجر وتشتم رائحة قميصه وعيناها تغرقان بالدموع ،وتقول بصوت مكسور اختلط ببحة شوق وعبره خنقتها لم تنزل، رائحة ابني الذي تُميزه لا تزال ساخنه في قميصه ،وكانه نزعة من جسمه الان وكانها شبهت الرائحه بشئ محسوس كالنار او الحراره ،وهي فعلاً شيئاً نحسه ،فكل ما كانت الرائحة قوية كلما تركت فينا أثراً اقوي ،فنقول عنها انها نفاذه لا تُحتمل.
وبشارة سيدنا يعقوب عليه السلام من ابنه يوسف عليه السلام ،كان قميصاً الُقي عليه وهو كفيفاً لا يري ،وطبيعة الحال في كل من فقد بصره يتحسس الاشياء بحواس أخري والاحساس بالمس أو الشم،فحين القي البشير قميص سيدنا يوسف عليه السلام علي أبوه ارتدا بصيرا.
فقبل وصول البشاره ،كان سيدنا يعقوب عليه السلام يقول" اني لأجدُ ريح يوسف "
لم تقتصر الروائح علي الطعام ،فحسب، ففي العشق والغرام فجمال النساء منذ القدم ،يرتبط بروائح ذكيه تضعها النساء وتتعطر بها وتأثِر بها قلوب من يشتم هذه الرائحة،وحتي إن كان غافلاً فيشتم هذه الرائحة يبدر علي ذهنه أن هذه الرائحة الذكيه تُنبعث من حسناء فائقة الجمال فيسترق النظر ليري مصدرها ،فعطور النساء جزء من جمالها ،وجزء من شخصيتها واسمها .
فحين يصف لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ،ان اي امراه تخرج من بيتها متبرجه بزينه ومتعطره فهي زانيه دليل قوي علي أثر العطر الكبير الذي يضعه في نفس كل من يشتمه،واثره النفسي في تهييج الغرائز.
كما أن جزء من مودنا الرومانسي في وقتنا الحاضر ،بجانب إشعال الشموع ،نضع فواحه عطريه ذو رائحة جميله ،ونلطف الجوء بملطف جوء عِطر أخاذ وتتطيب المرأة بأفضل العطور لخلق جوء انسجامي جميل يشابه جمال اللحظات الرومانسيه الرائعه.
كما أن لبعض الشعوب عطور بلديه خاصة ،تُستعمل في تلطيف الجوء كجزء من عادات وتقاليد متوارثة ،ففي دوله السودان مثلاً ،تُحضر عطور خاصه للزواج ،قبل عقد القران بفتره هذه هذه العطور ترتبط ارتباطاً مباشراً بالزواج فقط ،فلا يتطيب بها أي كان رجلاً أو امرأة الا إذا كان متزوجاً،فهي حكراً عليهم ،ومثل هذه العطور منها الجاهزه أو التقليدية التي تُعد في البيت مثل الخُمره ،والدلكه،والضُفره،و المحلب الذي يخلط أيضاً ببعض العطور وهذه العطور السودانية تعد،جميعها ذات رائحة جميله جداً ونفاذه ،يعتقد أهل السودان ،انها تُعد بمثابة منشط للرجل ،ويساعده في الإقبال على المعاشرة الزوجية ،وتُدخل في نفسه الاحساس بالرغبة الجن*سية ،وفي دول عربيه أخري كثيره ارتبطت اسامي العطور بلحظات الرومانسيه واوقاتها ،فنجد عطر "ليلة الخميس يجتاح الاسواق العربيه بكثرة ،وعطر ليالينا ،وبوح المشاعر ،ليلة العُمر وكثير من اسماء العطور التي ارتبطت اساميها بليالي العشق والغرام ،ونحد أن روائح تلك العطور ،كانه انتزع انتزاعا مشابهة لتلك اللحظات،ونجد أيضاً أن العطور الخاصة بالنساء بشكل عام رائحتها تختلف تماماً عن روائح العطور التي تخص الرجال فيستطيع انفنا بمجرد أن يشم العطر أن يميز ما إذا كان هذا العطر خاصاً بالرجال أو النساء.
تحتوي الأنف من ٦الي ١٠ الف ترليون شُعيره شم تكتشف رائحه كل رائحة عن الأخري وتستطيع أن تمييز بين الروائح ولو كان الفرق بينها قليلاً،تخيل معي انك في وضع معصوب العينين وعرضت عليك ،مجموعه من الاكلات وطلب منك أن تشتم رائحة كل طبق وتبين نوعه دون أن تراه ،بالتاكيد رائحة اللحم المشوي ،لا تغيب عنك ورائحة البيض بالطوه،ستعرفه بين اللاف الروائح،ورائحة الدجاج المحمر لا تفارق زهنك.
الأمر سهل أرأيت ربما انت الآن استحضرت هذه الروائح في زهنك قبل أن نحضر لك الاطباق.
في جانب آخر ،تخيل كان الإنسان لا يتمتع بحاسة شم ؟!!كيف يكون الحال؟!
الأمر ممكناً ،وليس مستحيلاً من بين كل ١٠الف شخصاً هنالك شخص لا يتمتع بكل حاسة الشم أو جزء منها ،كما أن نسبة الحاسة واختلف من انسان لآخر وباختلاف العمر ،فنجد شخصاً يتمتع بحاسة شم قويه واخر أقل منه واخر قليل جدا واخر لا يشم رائحة اي شيء إطلاقاً ،فهي حاسه مثلها ومثل البصر والسمع فمثادل ما هنالك شخص كفيف واخر يري قليلاً ،واخر أبكم أو اخرس هنالك من فقد حاسة الشم .
والأمر ليس سهلاً كم تظن فمن يفقد حاسة الشم معرض لكثير من الأخطار الصحية،واخطار أخري تحيط به ،فكم من مرة تدخل علي بيتك ،ويلتقط أنفك رائحة الغاز الذي ينبعث بغزاره من المطبخ وانت في مدخل البيت،ماذا لم تشم هذه الرائحة،واردت أن تشعل سجاره ،او توقد الموقد ؟!!.
كم من مره وضعت أنفك في طبق طعام كان في الثلاجة لأيام عديده أردت أن تتحسسه اهو صالح للأكل ام لا؟!وجدت أنه تفوح منه رائحة كريهه ؟!!.
وكم مره وانت نائم ،التقط أنفك رائحة دخان حريق في الطريق أو في الغرفه المجاوره لك فهرعت من النوم مزعوراً ولزت بالفرار للتأكد من مصدر الحريق؟!!
ورائحة سم الأفاعي والحيات،وانت تسير في طريق مظلم ،ثم يلتقط أنفك رائحة سم قويه ،وانت لا تعلم مصدرها فتشعل مصباحك لتكون حزراً.؟!!
بجانب اخر مشرق
رائحة المطر ،وهواه المنعش ،ورائحة الأزهار والأوراق المتساقطه في فصل الربيع ،ورائحة الزراعه ،والبحر إن لم تشتم هذه الروائح الجميله تاكد انك كنت محروم من نعمة كبيره من نعم الله عز وجل علي الإنسان.
في دراسة أجرتها مدرسه سعوديه علي عديد من التلميذات ،لتعرف قوة حاسة الشم لدي كل واحده تبين أن احداهن ،لا تشم إطلاقاً حيث عرضت المُدرسه مجموعة من البهارات ،ومعرف أن جميع البهارات روائحها نفاذه وقويه جدا ،وطلبت المعلمه منهن اي يبين رائحه كل بهار وتوضيح اسمه، فتبين أن احداهن لا تشم إطلاقاً،بعد عديد من الاختبارات التي أجريت لها وحدها.
وفي مقابلة خاصه معها قالت بعد أن علمت بالأمر أصبحت حزره جداً من تناول الطعام والشراب الذي مر عليه أكثر من يوم خشية من أن يكون تالف وانا لا اعلم.
كما أضافت أن أهمية حاسه الشم لا تختلف كثيرا في الوجه عن الحواس الأخري .
الأمر ليس سهلاً كما تظن.
لا يقتصر الأمر في الروائح علي كل مازكرناه آنفا فحسب ،بل دخلت الروائح في المجال التسويقي ،فكثير من أصحاب المتاجر الكبيره والمولات التجاريه يضعون ركن المأكولات والمشروبات في مدخل المتجر أو المول التجاري الأمر ليس مجرد صدفه ،فرائحة الطعام الشهي بعد الأحيان ترغممك علي الذهاب الى مصدرها وان كنت لا ترغب في ذلك ،وبضرورة الأمر حين تدخل علي محل تجاري تتناول رقائق البطاطس الشهيه مع دجاج مشوي شهي لا تتوقف عن عمليه الشراء الخاصه بك هنا فحسب وانت داخل مول فسيح ،فربما تطلب مشروبات غازيه من الثلاجة التي بجانبك ،وتطلب تحليه خفيفه أخري من المحل أو تذهب لتشتري شئ اخر بعد تناول الوجبه.
وفي مطار لندن خط هيثروا تعمدت شركة الطيران أن تضع رائحة خاصه ضُخت مع مكيفات الهواء خاصه باي رحله متجهه من المطار ،وفي مطار اخر تعمدت إدارة المطار أن تضع رائحة الليمون لقوتة في تعزيز التركيز للعاملين وإنعاش المسافرين ومعروف أن الليمون يساعد في ذلك بل يذيد نشاط الفرد.
كما ذكرنا سابقاً أن الشم مرتبط بالذاكرة ،ففي كثير من الأحيان يخوننا تعبيرنا في وصف الروائح التي لا نتعرف عليها ،فنستخدمت مفردات ومعاني لا ترتبط بالشم ونستدعي حواس أخري أو أوصاف حسيه ،فمثلا نقول هذه رائحه لازعه،وقويه،وهذه رائحه طيبه،وهذه ساخنه او حاره،وفي كثير من الأحيان نستخدم مصطلح الرائحه ك كنايه لشئ غير محمود فمثلاً نقول اسم رائحه كذب،او اشم ريحة نفاق،او فاح المكان بالنفاق والكذب،واحيانا نستخدم مصطلح الرائحه لشي جميل فمثلاً نقول فلان طيب تسبقه رائحة في المجالس ،اي نستخدمها لصاحب اللسان الطيب ذو الكلم الطيب.
فمن نعم الله علينا أن انعم علينا بحواس لاغني عنها ولا يعرف قيمتها الا من فقدها،ونسال الله أن يديم علينا نعمة ،ويمتعنا باسماعنا وأبصارنا وافئدتنا،ويجعلها الوارث منا ويسخرنا أن تستغلها في طاعته ورضاه يارب العالمين

مقال هادف ومفيد شكراً جزيلاً لك اخي
ردحذفبارك الله فيك ،موضوع شيق وطريقة ثرد جميله
ردحذف