ليالي الرعب (18) (19)(20)
بقلم : محمد الطاهر
المكان : مستشفي امدرمان
الزمان : يناير 1987
اتتني الممرضة في ورديتها ..مساءا ....وجلست معي علي طرف سريري ..ذلك اليوم تعلقت بها ..
![]() |
| الجزء الثامن من رواية ليالي الرُعب |
كنت اسمع انات المرضي ..كانها ايقاعات ..وصرخاتهم موسيقي حالمه ..لم تري عيني ذلك اليوم سواها ..
وبعد ان تحدثنا قليلا ..
اخرجت لها ( عروس مولد صغيرة )
وضحكت ضحكة احتشدت فيها كل براءة الكون ..وذادتني ولها ..
- انا ماشي سنار بالمناسبه ..
-اجابتني وهي تتضحك ما خايف يكتبوك ؟؟ كانها قرات افكار امي ..
- خلاص امن تجي تكتبيني سوقيني ..وختيني جنب الفكي ..وقولي ليهو جبتو ليك لغاية عندك ..
ضحكت حتي تمايلت ..واردفت ..: ولا اقول ليك حاجه ..انا ذاتي بمشي للفكي معاك ..واقول ليهو عليك الله ..اكتبني ليها ..انا ذاتي ما داير اشوف غيرها ..!!..
ضحكنا كثيرا ذلك اليوم ..وودعتها .
وخلدت للنوم واحلام الزواج ..تداعب مخيلتي ..
.. ..
ذلك الصباح صحوت علي صرخات متتابعه ..وبكاء وجلبه ..في عنبر الممرضات ..
هرولت ملتاعا ..لاري ما يحدث ..
شققت طريقي نحو الباب ..المفتوح ..
واذ بي اري جمعا من الممرضات والاطباء يحاولون افاقة احدي الممرضات ..كانت هي ملك ..حبيبتي ..وزوجتي القادمه .
وكانت علي الارض هديتي عروس المولد ..مكسورة من عنقها ...
ولم تجدي محاولات التنفس الطبيعي شيئا ..
ورايت في عيون زميلاتها انها ...ماتت..
وصرخت ملتاعا ..
بعدها لم اسمع شيئا ..ولم ار ..
.........
...عندما افقت كانت الدنيا ظلاما ..لم اعرف كم لبثت فاقد الوعي ..وجدت امي ومرافقي جنبي ..سالت ملتاعا ..: امي ..الممرضة ماتت ؟؟
اجابتني والاسي يقطر من عينيها ..ماتت يا ولدي !!
-اين هي اريد ان اراها ..لم يقبل عقلي الباطن وفاتها ..
اجابتني امي :..في المشرحة ..
رغم الاعياء والحزن انزلت ارجلي من السرير ..وتحركت ببطء .. حزينا ملتاعا ..حملني بن عمي علي كتفه ..وتوجهت نحو المشرحه ..
..دحلت نفس البوابه وكن هناك عدد من الجثث..
لم اخف ولم انظر اليها اصلا ..
كنت انظر الي مكان الممرضة ..وابحث بعيوني عنها ..
عقلي كان يقول لي ان هناك خاتما ما علي اصبعها ..ساخرجه وتعود ..حية ..وانها اصلا لم تمت ..
حتي وجدتها كانت كالنائمة ..جمالا والقا ..اخذت ابحث في اصابعها ..لم يكن ثمة خاتم ..هناك ..وصرخت ..لقد فقدتها للابد
....
..ايقظتني ايادي خشنه من النوم ..فتحت عيوني ..مخلوعا ..وافاجا ..باربعه من الرجال الشرطة واحد ما يلبس زيا مدنيا ..يامرونني بالوقوف والذهاب معهم !!
من هول الصدمة لم استطع ان امشي جيدا ..
حملني اثنان من الشرطه احد علي يميني والاخر علي يساري ..وسط احتجاجات بن عمي المرافق ..
الذي زجره احد افراد الشرطة ..دي اجراءات يا زول ..
الزول دا متهم بقتل الممرضه ..
انا ؟؟؟؟
واخذت اتمتم ..كمن به هذيان ..او جنون
انا ؟؟
....
...وقفت امام الضابط وهو ..يطيل النظر علي الاوراق والتقارير التي امامه ..
كانه يمارس علي حربا نفسيه ..
انا لم اكن استطيع الوقوف ..وكنت اتململ ..
حدجني بنظرة قوية ..وقال لي : لم قتلت الممرضه !!
كنت تحت الصدمة ولم ادري ما اقول ..
وجعلت اقسم والله العظيم انا ..ما كتلتها..
انا بحبها ي جنابو ..
وطبعا لم يصدقني ..
نظر في ورقة امامه مليا ..وسالني : انت مش مفروض تمشي التجاني الماحي حسب الاوراق القدامي دي ؟؟ ليه ما مشيت ..؟؟
ولا قلت تقتلها اول وبعد داك تمشي ..؟؟
زاد خوفي ..لقد عثرو ..علي الفايل المفقود ..
خلاص ..انا انتهيت !!
ليالي الرعب (19)
المكان : مستشفي امدرمان
الزمان : يناير 1987
..سالني الضابط : لما لم تتحول للتجاني الماحي !!منذ اسبوعين ؟؟
- ي سعادتك الفايل دا كان رايح ..وانا اتعالجت ..بحمدالله (..رغم ان اثار الصدمة كانت ما تزال تظهر في وجهي )
..فكر الضابط قليلا ..
وسالني الممرضه امس معاك باليل كنتو بتتكلمو في شنو ؟؟
تلعثمت ..وتحشرج صوتي ..وقلت ..والله يا سعادتك كنت بتكلم معاها انو عايز اجي اتقدم ليها ..
....واستمر معي في التحري ما يقارب الساعتين ..
كان برفقة الضابط ..شاب صغير يرتدي بنطال وقميص شبابي مشجر ..
كان يسالني عن اشياء دقيقه ..وكنت اجيب ..
- ي سعادتك ..والله انا مظلوم ..والله كنا متفقين ..علي الزواج .. وعروس حلاوة المولد اللقيتوها مكسورة دي كانت اخر هدية اديتها ليها ..
غمغم الشاب الصغير مع الضابط بكلمات لم افهمها ..
ضغط بعدها الضابط علي زر ..فجاء احد العساكر ..
- تمام يا سعادتك
ختو في الانفرادي ..وجيبو ليه مويه ..وخلوه يرتاح ..
خرجت وانا مشوش الفكر والبال ..حا اخش السجن ؟؟ حا امشي كوبر ولا التجاني الماحي ؟؟
وووين ملك الممرضة ..وطفرت الدموع من عينيا ..
......
تم اخذي الي زنزانة ..صغيرة مترين في مترين ..
كانت قذرة ..وتنبعث منها روائح كريهة نتنه ..وعليها مفرش علي الارض ..وبطانية مما يستعملها الجنود ..ومخدة ..اكتست بالسواد من شدة القذارة ..
بالطبع لم استطع النوم تلك الليله ..
كنت اتزكر الممرضه وابكي ..
ثم ..انقطع عن البكاء ..واتزكر ان مصيري ..السجن
او مصحة كوبر ..حيث ينتظرني المجنون هناك ..وقد يقضي علي ويقتلني ..واعاود البكاء ..
......
واستمر معي التحقيق ثلاثة ايام ..علي نفس الشاكله ..وكنت مقتنعا اني ساذهب الي كوبر
لا ادري ان كانت المصحة ..ام حبل المشنقه ..
....
ذات صباح باكر صحوت ..من غفوتي علي صوت بوت ثقيل بالقرب ..من زنزانتي ..
واخذ ينادي : محمد الطاهر ؟؟
- نعم ي جنابو
- قوم حيلك
صحوت وحاولت ترتيب نفسي ..لم يكن بي شئ اصلا يترتب ..لبست شبشبي ..
قلت في نفسي الان ساذهب للمحكمة او مصحة كوبر ..
ادخلني العسكري مرة اخري ..لغرفة التحقيق ..
كان بها ضابط الامس كانه لم ينم ..
هذه المرة دعاني للجلوس علي الكرسي ..قبالته ....نظر الي الضابط وقال : نمت كيف ي محمد ؟؟
كنت اعلم انه يعرف انني لم انم . جيدا .لكنها نوع من المجامله وفتح باب الحديث !
-تمام ي سعادتك ..
سالني : شفت الضابط الكان قاعد معاي الايام الفاتت في التحقيق ..
تزكرته ..لكني تصنعت عدم المعرفه
- ابدا ي سعادتك
- الزول دا ..بجي بعد شويه ..قالها بابتسامه ..وفي يدو دليل براءاتك ..
قفزت من الكرسي وجعلت اصرخ ..ي الله ..ي الله
وحدجني بنظرة ..ان اصمت ..سريعا ما رجعت للكرسي بكل ..هدؤ ...
ماهي الا قليلا حتي دخل الينا عسكري ادي التحيه ..واعطاه ملفا ...
نظر فيه الضابط قليلا ..ثم قال . انتو عايزين تجننونا ي ناس مستشفي امدرمان ؟؟
......
..وسالني
انتو عندكم كدايس قدر كم في المستشفي ؟؟
كدت احكي لي القصة من اولها ..من المقابر .. حتي الامس ..لكن هاتف ما داخلي منعني ..
قلت وانا اتصنع الدهشه ..كلهم خمسة سته كدايس ي سعادتك في المستشفي كلو
- خمسه.. سته ؟؟
انا عندي في التقرير دا انو في 43 كديسه لقوها ميته صباح اليوم بالمستشفي !!
- لا حولا قوة الا بالله ..خفت ان يكون القط الاسود احدهم
- والكتلهم شنو ي سعادتك ..
- والله ما معروف ..احتمال واحد سممهم !!
وقالها باندهاش وتعجب المستشفي دي فيها حاجات غريبه !!
.وما هي الا ربع ساعة ودخل علينا ..ضابط مباحث الامس ..
وقف قبالة الضابط الذي يتحدث معي وضم رجليه ورفع اكعابه للاعلي ..
- تمام ي سعادتك ..شكوكنا طلعت صحيحه ..ومد يده باوراق رسميه للضابط
ساله الضابط : جبتوه
- تمام سعادتك وحسه في الحبس .. !!
التفت الي الضابط . وقال ..احب اعرفك علي النقيب محمد حسن سالم من المباحث المركزيه ..
..قال لي ضابط المباحث : عارف الجباهو ودخلناهو الحبس منو ؟؟
اومات براسي علامة النفي ..
- طارق ..ثم قال مستدركا د.طارق ..!!
واسقط في يدي !!
- جبتوه لي شنو سعادتك ؟؟
- اجابني : هو قاتل الممرضه !!
....
يتبع...
ليالي الرعب (20)
بقلم : محمد الطاهر محمد
المكان : القسم الاوسط امدرمان
الزمان يناير 1987
وجمت ..وفتحت فمي دهشة د. طارق ؟؟ لا لا ي سعادتك قول كلام غير كدا !!
- ابتسم ضابط المباحث ..وقال لي ..اجلس .. ساشرح لك كل شئ
هل تعلم ان د. طارق ..يحب الممرضة منذ ان اتت الي المستشفي !!
هل تعلم انها رفضت الارتباط به ..وفضلتك عليه !!
-انا دا ؟؟
هل تعلم انه عندما راي اهتمامها بك ..حولك الي مستشفي التجاني الماحي ؟؟ فقط ليتخلص منك ؟؟
- لا حولا ولا قوة الا بالله ..
لكن الممرضة عندما احست بذلك اخفت الفائل !!
والفائل هو سبب براءتك !!
- كيف الكلام دا ياسعادتك ؟؟
-لمن انت قلت الفايل اختفي ..اندهشنا انو الفايل في التربيزة كان موجود ..
راجعنا البصمات الموجودة فيه لقينا بصمات د. طارق ..
-طبيعي ي سعادتك لانو الفايل في يدو وهو بكتب فيه لازم تكون فيهو بصماتو !!
- زول عاقل انت !!
لكن الما طبيعي تاريخ البصمات !! البصمات كانت حديثة !!
نفس ليلة مقتل الممرضة . كانت بصماتو علي الفايل ..وعلي مقبض الباب
.وانحنا عارفنو في مستشفي الخرطوم !!
دا كان الخيط الاول ..
في شهود شافوه بمستشفي امدرمان الحوادث ..يوم الجريمه !!
وفي عيانين في عنبركم قالو شافوه بالباب التاني بعاين فيكم ..وانتو بتتونسو ليلة الجريمه ..
ودي كلها افادات ..حا نكمل التحقيق ..والتحري فيها
..لكن انت براءة ..
لكن
حا نعمل مواجهة بينكم حسة عندنا حاجات عايزين ليها تاكيد .. !!
ثم ضغط زرا اسفل طاولته وماهي الاثوان حتي دخل احد العساكر محييا
- جيب الزول الفي الانفرادي دا
وماهي الا دقائق ...حتي سمعت صوت سلاسل ..حديد تجر علي الارض ..
ودخل عسكريان ..ومعهم شخص ..مقيد اليدين والرجلين بالسلاسل
كان د طارق ولم اتعرف عليه من الوهلة الاولي ..فقد بدا نحيفا شاحب الوجه ..وتغير لونه ..وهزل جسمه ..
وما ان راني حتي صرخ : حقير ..حشرة ..
انا د.طارق السر الامين ورفع اصبعه من اسفل لاعلي متباهيا انا ..بن اللواء السر الامين شخصيا ..
ممرضة تفضل علي الهلفوت دا ..وبدا منفعلا وهائجا ..اضطر معه العساكر لاحكام فبضتهم عليه بالاجناب ..
عارف يا جنابو . انا .كنت عايز احقنو بي حقنة سيانيد .قالها وهو يضحك ..حسة الجاهل دا ما سمع بالسيانيد ذاتو ..
امي ..جاهل ..
ثم اخذ يغني ..للعلا ..للعلا ..للعلا ..للعلا ..وابعثو مجدنا الافلا ..ثم التفت الي ..يا كرور ..
- لا حولا ولا قوة الا بالله ..الدكتور جن ..!!
......
كنت مرهقا وحزينا وبي الام الدنيا كلها واوجاعها ..وانا اخطو برجلي ..خارج القسم الاوسط ..كان بانتظاري بن عمي ومرافقي ..
..اخذوني للمشفي سريعا ..فقد كنت في حالة يرثي لها !!
وللحق ..دخلت من بوابة الحوادث ثم الي داخل المشفي ..
كان بالمشفي شيئ غير طبيعي كانت تعيسه .. و خاليه تماما من القطط
....
ثم مررت علي ..عنبر الممرضات ..كئيبا حزينا ..دامع العينين ..هنا كانت تقف ملك ..هنا كانت تتحرك ..وكنت اتخيلها ..كفراشة بيضاء ..تسري مع النسيم في ردهات العنابر ..
..ما يزال شئ في قلبي يخبرني انها ...ستعود ...
.... يوما ما ..
......
استيقظت ..كانني لم انم ...بنفس الارهاق والتعب والفتور والحزن ..
استحممت ..وتطيبت قليلا ..وقلت في نفسي ان اخرج قليلا من جو المستشفي ..
تمشيت بارجلي حتي البوابة
وجدت هناك عربيتي شرطه حيث منع الدخول تماما للمشفي وكان هناك .وتدقيق في هويات المغادرين . وتفتيش للعربات .
تعرفت علي احد العساكر ..كان يقودني للتحقيق . في القسم الاوسط .
اقتربت منه ..وسالته
ما الذي يحدث
اجابني باقتضاب ..
هناك جثة من المشرحه مفقودة .
جثة الممرضة الكتلوها قبل. تلاتة يوم !!
......
تبلدت ولم ادر ما اقول. خرجت للشارع .وكنت امشي بلا هدي ..
وكان الناس كثر ..لكني لم ار احدا ..
ثم توقفت ..قربي عربة تاكسي ..وخاطبني من فيها ..اتفضل يا استاذ محمد ..
وضربت بيدي علي صدري محييا شكرا ي حبيب ..
- اركب يا محمد
باصرار منه
وعندما تمنعت للمرة الثانيه خاطبني بغضب
اركب يازول ماتبقي غبي ..
ملك مرسلاني ليك !!
تابع الجزء الأخير من رواية ليالي الرُعب ملك وقط اسود وتالا
